خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الماركات العالمية وبيع الوهم: عندما تُستغل القيم لخلق الحاجة

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
أ.د. هاني الضمور

في زمن باتت فيه الصورة تغلب الحقيقة، والمظهر يطغى على الجوهر، تحولت الماركات العالمية من مجرد علامات تجارية تقدم منتجات ذات جودة، إلى رموز ثقافية تُزرع في الوجدان وتُفرض على العقول. لم تعد هذه العلامات تبيع فقط حقائب وساعات وأزياء، بل تبيع فكرة خفية وخطيرة: أنك كلما أنفقت أكثر، أصبحت أكثر تميزاً، وكلما اقتنيت شعاراً معيناً، نلت مكانة اجتماعية أعلى. وهكذا يتحول المنتج إلى وسيلة لشراء الاعتراف الاجتماعي، بينما تُصنع الحاجة لا في القلب، بل في أعماق الوعي المستلب.

التسويق، في أصله، مهنة شريفة، هدفها أن تُعرّف الناس بالمنتجات التي تلبي احتياجاتهم وتضيف قيمة حقيقية إلى حياتهم. لكنه حين ينحرف عن هذا المسار، يتحول إلى آلة تزرع الوهم، وتغذي الشعور بالنقص، وتدفع الأفراد إلى السعي المستمر خلف ما لا يحتاجونه. إن ما تفعله كثير من الشركات العالمية اليوم هو استغلال دقيق ومدروس للحاجة الفطرية في الإنسان لأن يكون مقبولاً ومرغوباً، لكنها تُلبس هذه الحاجة ثوباً مزيّفاً اسمه الرفاهية. بدلاً من أن تقنعك بجودة منتجها، تقنعك بأنك من دونه ناقص، وأنك لا تكتمل إلا إذا حملت اسمها.

حين يُقاس النجاح بما نرتديه لا بما نحققه، وحين تصبح السعادة مرهونة بحيازة منتج لا بحياة مليئة بالمعنى، نكون قد دخلنا دائرة الاستهلاك المُفرغ من القيم. في مجتمعاتنا العربية تتجلى هذه الأزمة بأوضح صورها، إذ أصبح الناس، لا سيما الشباب، يتنافسون على اقتناء الماركات لا من باب الجودة، بل من باب التفاخر. وهكذا يُستبدل جوهر القيم الأصيلة مثل التواضع والاجتهاد والرضا، بثقافة الاستعراض، حيث يُصبح الإنسان مرآة لما يملك لا لما يكون.

الماركات العالمية ليست هي المشكلة، بل المشكلة تكمن في الطريقة التي تُقدّم بها للناس، وفي الرسائل التي تبثها دون توقف. لا ضير أن تشتري منتجاً فاخراً إن كان اختيارك نابعاً من قناعة ووعي، ولكن الخطر أن تشتري لأنك تخشى أن تُستبعد، أو لأنك تظن أن احترامك مرتبط بشعارٍ على معطف. الأخلاق في التسويق تقتضي أن يُترك للمستهلك الخيار الواعي، وأن يُعامل ككائن عاقل، لا كرقم في معادلة أرباح.

ولعلنا بحاجة اليوم إلى إعادة النظر، لا في الأسواق فقط، بل في نفوسنا. لماذا نشتري؟ ومن يقود اختياراتنا؟ وهل نحن أحرار فعلاً حين نشتري ما نُقنع أنفسنا أننا لا نستطيع العيش دونه؟ الإجابة على هذه الأسئلة ليست مجرد ترف فكري، بل ضرورة إذا أردنا أن نعيش حياة أكثر صدقاً مع ذواتنا.

لا شيء يمكنه أن يمنحك قيمة حقيقية إلا نفسك، لا قميص باهظ الثمن، ولا حقيبة تحمل توقيع أشهر المصممين. القيمة الحقيقية تنبع من العمل، من الفكر، من الأخلاق، من القدرة على التميز الحقيقي لا المزيف. وأي منتج لا يخدم هذا الإنسان الذي تريد أن تكونه، لا يستحق مالك، ولا وقتك، ولا عقلك.

الماركات العالمية قد تكون جزءاً من الحياة، لكنها لا ينبغي أن تكون الحياة ذاتها.

استاذ التسويق الدولي في الجامعة الاردنية

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF